من تعاليم الآباء


معمودية الرب يسوع والإبيفانيا
للقديس يوحنا ذهبي الفم
(354-407م)



مقدِّمة:

في 6 يناير سنة 387م(1)، ألقى القديس يوحنا ذهبي الفم العظة التالية في الكنيسة الكاتدرائية في أنطاكية (سوريا)، حيث كان أحد كهنتها بين سنتَي 386-397م. وترجـع قيمة هـذه العظـة إلى الشروحـات اللاهوتيـة المُبسَّطـة التي تحتويها، بالإضافة إلى المعلومات الجانبية الهامة التي تمدُّنا بها عن نظام الاحتفال بالعيد في مرحلة من مراحل تطوُّره في الكنيسة الشرقية، وذلك لتوسيع مـداركنا عن تاريخ هذا الطقس في كنيستنا القبطية(2).

يبدأ القديس حديثه بشرح معنى ”الإبيفانيا“ أي ”الظهور الإلهي“، وهو الاسم الذي اخْتُصَّ بهذا العيد، وكيف أنـه يختلف عن ميلاد الرب يسوع الذي لا يمكن أن يُدعَى ”ظهوراً“ بالمفهوم الدقيق للكلمة(3). ثم يتطرَّق إلى وجود 3 معموديات في تـاريخ معاملات الله مـع الإنسان عَبْر التاريخ البشري، بـدءاً بمعمودية اليهود، وهي الاغتسال للتطهير من النجاسة الجسدية الخارجية؛ وانتهاءً بالمعمودية المسيحية التي تُطهِّر الداخل بغفران الخطايـا ومَنْح موهبـة الروح القدس؛ وتتوسَّط بينهما معمودية يوحنا التي تدعو المُقبلين إليها للتوبة عن الرذائل، وتُطالِِب بأعمالٍ تليق بالتوبة استعداداً لمعمودية مَن سيأتي بعده ليُعمِّد بالروح القدس والنار.

ويُثير القديس ذهبي الفم تساؤلات تُراود نفوس المؤمنين في كلِّ جيل: هل كان المسيح مُحتاجاً إلى المعمودية؟ ولماذا معمودية يوحنا بالذات؟ هل هذا يعني أنها أسمى من معمودية المسيحيين؟ وإلاَّ فما الذي دعا الرب يسوع إلى الاصطباغ بها؟

هناك ضرورتـان، يقول القديس ذهبي الفم، وراء اعتماد الرب يسوع من يوحنا المعمدان:

1. إحداهما، تتعلَّق بيوحنا المعمدان نفسـه، حتى يتمكَّن مـن تقديم الرب يسوع إلى الأُمَّـة اليهودية وإلى كـلِّ بشـرٍ. فالجموع مـن فرط تقديرها للقديس يوحنا المعمدان، كانت تظنُّ أنه هـو المسيح الآتي لخلاص العالم. وكـان على يوحنا المعمدان أن يُقنعها أنه هـو ”السابق“ الذي تنحصر رسـالته في إعداد الطريـق. فكـانت العلامات المرئية التي ظهرت أمام الحشد الهائل المجتمِع على ضفاف الأردن: نُطـقُ الآب مـن السماء بصوتٍ مسموع، ونـزولُ الروح القدس بهيئة حمامة؛ يُمثِّلان عملية توجيه إلهية نحـو يسوع المسيح، والتعريف بـه أنـه هـو المسيَّا المنتَظَر، لأنه «قائمٌ بينكم مَن لستم تعرفونه».

2. الضرورة الثانية، كَشَفَ عنها المسيح بنفسه عندما حاول يوحنا المعمدان أن يستعفي من تعميد ابـن الله، فكان جواب السيِّد: «ينبغي أن نُكمِّل كلَّ برٍّ». ويشرح ذهبي الفم هذا ”البر“ أنه تكميل وصايا الله في العهد القديم.

? نص العظة(4):

بين الذين يستمعون إلينا، عدد كبير لا يعرف من الأعياد سوى اسمها، ولكنهم يجهلون تاريخها وأصلها و(مناسبة) تأسيسها. كلنا نعرف أنَّ هذا العيد يُدعَى ”الإبيفانيا“ أو ”الظهور“. لكن ما هو الظهور؟ هل هو عيد واحد أم اثنان؟ ولماذا، وما هي المناسبة التي دَعَت إليه؟ كل هذا يجهلونه... أليس هذا يدعو إلى الرثـاء، أننا نحتفل كل عام بالعيد ونحن جاهلون بموضوعه وسببه؟؟

فمِن اللائق قبل كل شيء أن نُعرِّفكم بخصوص هـذا الموضـوع أنَّ الكنيسة تَعتَبِر (أو تعتقـد) بظهورَيْن: أولهما، هو الذي قد تمَّ (ونُعيِّد له اليوم)؛ والثاني، سيكون في نهاية الأزمنة، في مظهر غاية في المجد والبهاء. لقد استمعتم وشيكاً إلى القديس بولس الرسول يتكلَّم عن الظهورَيْن الأول والثاني وجمعهما معاً في الآيـات التالية مـن رسالته إلى تيطس: «لأنه قد ظهرت نعمة الله المُخلِّصة، لجميع الناس، مُعلِّمـةً إيَّانـا أن نُنكـر الفُجور والشهوات العالمية، ونعيش بالتعقُّل والبرِّ والتَّقوى في العالم الحاضر»، هذا هو الظهور الأول. أمَّا الثاني فهو: «مُنتظرين الرجاء المُبارَك وظهور مجد الله العظيم ومُخلِّصنا يسوع المسيح» (تي 2: 11-13). وعن هذا الأخير يقول النبي: «تتحوَّل الشمس إلى ظُلمة، والقمر إلى دم، قبل أن يجيء يوم الرب العظيم المخوف» (يوئيل 2: 31).

ولكن، لماذا لم يُدعَ يوم ميلاد ربنا يسوع باسم ”الإبيفانيا“ أو ”الظهور“؛ بل اختُصَّ بهذا الاسم اليومُ الحاضر الذي نحتفل فيه بمعموديته التي بواسطتها قدَّس المياه؟ إذ أنه تذكاراً لهذا الحَدَث (المُبارَك) يعود المؤمنون عشية هذا اليوم، بعد أن تُرشَّ عليهم المياه المقدَّسة، ويأخذون قليلاً منها ويحملونه معهم إلى بيوتهم ويحفظونـه طيلة العام. وبعنايـة إلهية منظـورة، تبقى (هذه المياه) سنتين أو ثلاثـاً دون تغيير، نقية، صافية، بعد مدَّة طويلة، كما لو كان قد جيء بهـا في نفس اللحظة. حقّاً إنهـا معجـزة مستمرة!!... فلماذا لم يُسَمَّ يوم ميلاده ظهوراً؟ لأن ذاك اليوم بالحقيقة لم يَظْهَر المسيح للجميع. فميلاده كان مخفيّاً، أمَّا الذي أظهره للجموع فهـو عماده. وإلى لحظة عماده لم يكن يسوع معروفاً، كما تشهد بذلك كلمات يوحنا المعمدان: «في وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه» (يو 1: 26). ولماذا تتعجَّبون من هذا، بينما يوحنا نفسه لم يكن يعرفه بتأكيدٍ إلاَّ يوم اعتماده؟! إذ يقول: «وأنا لم أكن أعرفه. لكن الذي أرسلني لأُعمِّد بالماء، ذاك قـال لي: الذي تـرى الروح نازلاً ومُستَقِرّاً عليه، فهذا هو الذي يُعمِّد بالروح القدس» (يو 1: 33). هناك، إذن، أكثر من ظهور واحد.

لكن، لماذا نـال يسوع المعمودية؟ وما هي المعمودية التي قَبِلَها؟

هـذا مـا سنوضِّحه لكم الآن. لنُحدِّد أولاً أية معمودية هذه التي اعتمد بها، لأن الإجابة على هذا السؤال تُسهِّل علينا الجواب عن السؤال الآخر التابع له: لماذا اعتمد؟ علينا أن نُميِّز بين ثلاثة أنواع من المعمودية: فالتي لليهود كانت تُطهِّر ما يُعتَبَر نجاسة في عُرْف الناموس، لكنها كانت عاجزة عن محو الخطايا التي تُدنِّس النفس، ولا تُنقِّي الضمير من الزنا ولا من السرقة ولا من أية خطيئة أخرى؛ بل إنَّ الإنسان إذا لمست يـده جثة ميت أو ذاق لحماً يُحرِّمـه النامـوس وتنجَّس حسب الجسد أو تعامَلَ مـع الأبـرص، فمثل هذا يُحسَب نجساً حسب الناموس...

ولكن معمودية المسيح ليست من هذا النوع. فامتيازاتها هي مـن نوعٍ آخر أسمى وأعظم بما لا يُقاس؛ إذ أنهـا تمحو الخطية، وتُطهِّر النفس وتملأها بنعمة الروح القدس.

أمَّا معموديـة القديس يوحنا السابق، فكـانت بالتأكيد أسمى مـن معمودية اليهود، ولكنها كانت خالية من فاعلية معموديتنا نحن المسيحيين. إنها تتوسَّـط الاثنين كمعْبَر يوصِّـل بـين شاطئين متقابلـين. اسمعوا كـرازة السابـق يوحنا: هل يوصي الخطاة بالاغتسال بماء التطهير الخارجي؟ كلا! بـل يُطالبهم بالتغيير مـن الرذائـل إلى الفضائل، ويحثُّهم أن يجعلوا رجاء خلاصهم في طهارة السيرة والأعمال الصالحة، وليس فقط في الغسـلات الطقسيـة. والسِّمَـة التي تتفوَّق بهـا معمودية يوحنا على الغسلات اليهودية هي هذه: «اعملوا ثماراً تليق بالتوبة». ومع ذلك، فهي أقل من معمودية المسيح، لأنها ما كانت تهب نعمة الغفران، ولا تمنح عطايا الروح القدس؛ بل كانت تهتم بالتوبة فقط دون أن تمحو شيئاً (من الخطايا السالفة). ولهذا يقول السابق يوحنا: «أنا أُعمِّدكم بماء... لكن هو سيُعمِّدكم بالروح القدس ونار» (مت 3: 11). ولكـن مـاذا يعني بقوله هـذه الكلمات: «الروح القدس ونـار»؟ أَمَا تعلمون؟! هل ينبغي أن أُذكِّركم بهذا اليوم الخالد حين نزلت ألسنة نار منقسمة على كل واحد من الرسل؟! هنا برهان واضح على قصور معمودية يوحنا.

وأيضاً، تقابَل القديس بولس في رحلاته الرسولية مع بعض التلاميذ، فسألهم: «”هل قبلتُم الروح القدس لَمَّا آمنتُم؟“. قالوا له: ”ولا سمعنا أنه يوجد الروح القدس“. فقال لهم: ”على اسم مَن اعتمدتم (”فبماذا اعتمدتم“)؟“. فقالوا: ”بمعمودية يوحنا“. فقال بولس: ”إنَّ يوحنا عمَّد بمعمودية التوبة“» (أع 19: 2-4). سمعتم إذن، أيها الأحباء، أنَّ معمودية يوحنا كانت للتوبة وليست لمغفرة الخطايا. فلماذا، إذن، كان يُعمِّد؟ ليُشير إلى مَن سيأتي بعده: «فلما سمعوا اعتمدوا باسم الرب يسوع. ولمَّا وضع بولس يديه عليهم حلَّ الروح القدس عليهم» (أع 19: 6،5). فهل نحتاج إلى شهادة أقوى مـن هـذه على قصور معمودية يوحنا؟ لأن القديس بولس - بالمعمودية ووَضْع اليد - قد بيَّن مقدار سموِّ المعمودية المسيحية عن تلك التي ليوحنا.

لماذا تعمَّد المسيح من يوحنا المعمدان؟

بعد هـذا الشرح عن الفرق بين المعموديتين، ليس عبثاً أن نبحث عـن سبب اعتمـاد المسيح، وبأيَّة معمودية اعتمد! فالمُخلِّص لم يتقبَّل معمودية اليهود، كما أنه لم يعتمد بمعموديته الخاصة (أي المعمودية المسيحية)، لأنه لم يكن مُحتاجاً لقبولها حيث إنه لم يُخطئ خطية تحتاج إلى اغتسال: «الذي لم يفعل خطية ولا وُجِدَ في فمه مكر» (1بط 2: 22). ولم يستطع أعـداؤه أن يدينوه على أيَّـة خطية (يو 8: 46). ألم تكن بشريتـه مُمتلئة من الروح القدس التي هي من عمله(5)؟ حسناً، يا رب! فلماذا، إذن، تعمَّدتَ؟

والآن بعد أن حددنا أيَّة معمودية نالها يسوع، ستعرفـون سبب اهتمامه بتتميمها! فـإنَّ الرب يسوع قد اعتمد بمعمودية يوحنا؛ ولكن، لماذا معمودية يوحنا بالذات؟ ليظهر لكم بوضوح من طبيعة هذه المعمودية ونوعيتها أنَّ يسوع لم يكن ناقصاً في الروح القدس، ولا كان مُحتاجاً إلى مغفرة خطايا؛ لأن معمودية يوحنا كانت عاجزة عن هذين الأَمرين، كما سبق وشرحتُ لكم. إذن، لم يأتِ المُخلِّص إلى شاطئ الأردن لنوال عطايا الروح القدس أو مغفرة الخطايا. فهل جاء بروح التوبة؟ كلا! ولا هذا أيضاً؛ بل إنَّ يوحنا الذي كان يقول للجميع أن يصنعوا ثماراً تليق بالتوبة، تدَارَك الأمر قبل أن يتطرَّق هـذا الظن إلى النفوس، فقال للسيِّد: «أنا محتاجٌ أن أعتمد منك، وأنت تأتي إليَّ!!». بهـذا الإعـلان أَظهَر أنَّ المُخلِّص لم يأتِ تحت إلحاح الرغبة في التوبة التي كانت تُحرِّك سائر اليهود للمعمودية من يد يوحنا. فيسوع أعظم وأسمى بكثير من يوحنا من جهة طبيعته (الإلهية)، فكان بلا شكٍّ أقدس منه بكثير (بما لا يُقاس).

إذن، تحـت أيِّ دافـع مضى يسوع إلى المعمودية؟ لسببين: أوَّلهما، أَظهره التلميذ (أي يوحنا المعمدان)؛ والثاني، أظهره السيِّد.

السبب الأول: هو أن يكون معروفاً لدى الأُمَّة اليهودية. هذه هي غاية المعمودية التي قَبِلَها المسيح. فلو كان مُمكناً أن يصحب يوحنا المسيحَ إلى كلِّ بيت ويقرع معه كلَّ باب قائلاً: ”هأنذا أُقدِّم لكم ابن الله“! لكانت مناداتـه هكذا مـوضع شكٍّ ويصعب قبولهـا. وأيضاً، لو قدَّمـه إلى سلطات السنهدريم اليهودي، لَما كـانت شهادتـه مُصدَّقة. ولكن في حضرة الجموع المحتشدة على ضفاف الأردن، جاء يسوع ونال شهادة من الأعالي واضحة ومنطوقة من السماء وبتأكيد الروح القدس النازل عليه بهيئة حمامة. كل هـذا جعل كلمات يوحنا عـن المسيح خالية من أيِّ شكٍّ. ولإبعاد كل شُبهة عنها، قال يوحنا أيضاً: «أنا لم أكن أعرفه»؛ إذ قد يُظَنُّ، بسبب القرابة الجسديـة بين أليصابات أُم يوحنا ومريم أُم المُخلِّص، أنها أَمْلَت هذا المديح. ولكن التدبير الإلهي جعل الأمور تتطوَّر بحيث يقضي يوحنا المعمدان جزءاً من حياته في البريَّة(6). فليس، إذن، بدافع المودَّة ولا رباط اللحم والدم أو باتفاقٍ مُسْبَق، كان يشهد ليسوع؛ بل بإلهامٍ من الله الذي كشف له ابنه. هذا ما تعنيه كلماته: «أنا لم أكن أعرفه»!

ومَـن الذي عرَّفك بـه، أيها القديس السابق يوحنا الصابغ؟ «الذي أرسلني لأُعمِّد بالماء، ذاك قال لي: الذي ترى الروح نازلاً ومُستَقرّاً عليه (بهيئة حمامـة)، فهـذا هـو الذي يُعمِّد بالروح القدس» (يو 1: 33). هـذا هو السبب في نزول الروح القدس بهـذه الهيئة. وكـأنها أصبع اليد (الإلهية) مُمتدَّة للأُمَّة اليهودية، تُشير إلى الابن الذي كان يوحنا يكرز به ويُعلِن أمجاده.

ونقف مـن المسيح نفسه على السبب الثاني الذي دعـاه إلى معموديـة يوحنا. فبنوعٍ من الاعتراض والاعتذار، قال يوحنا: «أنا محتاج أن أعتمد منك وأنت تأتي إليَّ!». فأجابه المُخلِّص: «اسمح الآن، لأنـه ينبغي أن نُكمِّل كـلَّ برٍّ»، يا لانسحاق العبد! يا لتواضع السـيِّد!. تعريف ”البر“ هو هذا: تتميم كل وصايا الله... وحيث إنه كان على جميع الناس تكميل ذلك البر ولم يتمكَّن أحدٌ مـن ذلك قبلاً، لهذا جـاء المسيح وعمله وأكمله. ولكنكم تقولون لي: أيُّ بـرٍّ في نوال المعمودية؟ كان من اللائق، يا إخوة، أن يُطاع النبي. فكما تمَّم يسوع الختان، وقدَّم الذبائح، وحَفِظَ السـبت، وسائـر الوصايـا والطقـوس اليهودية؛ هل يستعفي مـن الباقي، فيرذل كلام يوحنا السابق الذي يدعـو الجميع إلى معموديته؟ إرادة الله في قبول اليهود معمودية يوحنا واضحة من قوله: «الذي أرسلني لأُعمِّد بالماء»، وأيضاً: «وجميـع الشعب إذ سمعوا والعشَّارون بـرَّروا الله مُعتمِديـن بمعمودية يوحنا. وأمَّـا الفرِّيسيون والناموسـيُّون فرفضوا مشـورة الله مـن جهة أنفسهم، غير مُعتمديـن منه» (لو 7: 30،29). فإن كان من البرِّ أن نطيع الله الذي أرسل يوحنا ليكرز بالمعمودية، فبالأَوْلى كثيراً أن يُسرَّ يسوع بـالخضوع لها كمـا سبق وتمَّم أعمال الـبرِّ الأخرى... لهذا لم يَقُل (المسيح): ”يليق بنـا أن نفعل هذا الأمر أو ذاك“؛ بل: «أن نُكمِّل كلَّ برٍّ». وكأنـه يقول: ”يليق بي، وأنـا سيِّد الكل ومالك الجميع، أن أدفع وأُسدِّد عن غير القادرين“.

فلهذيـن السببين مضى يسوع إلى معموديـة يوحنا، لكي يُتمِّم فيها كلَّ برٍّ، ولكي يصير ظاهراً للجميع.

(1) كان التقويمان الغربي والمصري متَّفقين معاً في جميع مواعيد الأعياد الثابتة، مثل: الميلاد والختان والغطاس، منذ نشأة طقوس الكنائس حتى القرن السادس عشر. فكان عيد الغطاس مثلاً تُعيِّده الكنيسة القبطية في 11 طوبة، والكنيسة الغربية في 19 يناير في نفس اليوم حسب التقويم الغربي الذي دُعِيَ ”التقويم اليولياني“ نسبة إلى يوليوس قيصر الذي عدَّله وصحَّحه سنة 45 ق.م. ولكن في سنة 1582م، وجد البابا غريغوريوس الثالث عشر بابا روما أنَّ الاعتدال الربيعي الذي وقع في 21 مارس سنة 325م، وهي السنة التي اجتمع فيها مجمع نيقية المسكوني، مُتقدِّماً عشرة أيام ليقع في 11 مارس سنة 1582م. واستطاع الفلكيون في عهده أن يعثروا على سبب ذلك، وهو وجود فرق بسيط يصل إلى 11 دقيقة كل سنة، ولكنه يبلغ يوماً كاملاً كل 128 سنة ميلادية. ولذلك أصدر البابا مرسوماً بإسقاط 10 أيام من تلك السنة (سنة 1582م)، وأن يُحذَف 3 أيـام كبيسة كـل 400 سنة حتى لا يتكـرر هـذا الخطأ. ولذلك دُعِيَ التقويم الغربي من ذلك الوقت بـاسم ”التقويم الغريغوري“ نسبة إلى البابا غريغوريوس الثالث عشر. وهذا هـو سبب اختلاف المواسم والأعياد الثابتـة بـين الكنائس الغربية وباقي الكنائس التي تبعت التعديل الغريغوري وبين الكنيسة القبطية في الوقت الحـاضر (عـن كتاب: ”التحفـة البرموسيـة“ للقمص عبـد المسيح المسعودي، ص 161-162؛ ”تطوُّر التقويم المصري القبطي وضبطـه“، مجلة معهد الدراسات القبطية، سنة 1958، ص 74-96).
(2) مثال ذلك: الآيات التي يستشهد بها ذهبي الفم من رسائل بولس الرسول ومن إنجيل القديس يوحنا، هي نفسها الآن موضوع قراءات قدَّاس لقَّان الغطاس في الكنيسة.
(3) الكلمة الأصلية ????????? كانت تُطلَق في العصر الوثني على ظهور الإله أمام البشر، وفيما بعد على الأحداث الهامة في حياة الملوك والأباطرة الوثنيين الذين كانوا يؤلَّهون، مثل: ميلاده، اعتلائه العرش، زيارته لمدينة هامة... إلخ. ومن هنا ارتبط مفهوم الكلمة بالظهور العام أمام الجماهير بصورة فائقة. لذلك قال ذهبي الفم في هذه العظة إنَّ ميلاد يسوع لم يكن معروفاً للجموع، لذلك لا يصح أن يُطلَق عليه ”إبيفانيا“ بالمعنى الذي كان يقصده الوثنيون.
(4) مُترجمة بتصرُّف عن النص الفرنسي المنشور في: Oeuvres Complétes de S. Jean Chrysostome, Tome VIII, p. 536-38, Paris, 1867.
(5) يقصد أنَّ بشرية المسيح - أي الناسوت - كانت = = مـن عمل الروح القدس، كما يظهر مـن قـول الملاك وهـو يُبشِّر مـريم العذراء: «الـروح القدس يحـلُّ عليكِ... فالقدوس المولود منكِ يُدعَى ابن الله» (لو 1: 35).
(6) يقول القديس لوقا البشير عن يوحنا المعمدان بعد ولادته: «وكان في البراري إلى يوم ظهوره لإسرائيل» (لو 1: 80).

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis