للأب متى المسكين


معمودية المسيح

يختص القديس لوقا بسرد رواية عماد المسيح في مشهد لا يظهر فيه إلاَّ المسيح وحده، فلا يذكر كيف تمَّ العماد بواسطة يوحنا المعمدان كما ذكره كل من القديس متى والقديس مرقس، وذلك لا بقصد أن يحجب دور المعمدان، ولكن ليضع حدّاً فاصلاً شديداً بين عمل المعمدان وعمل المسيح، كما وضع السجن كحاجز شديد الوطأة ليُنهي به عمل المعمدان عند بداية عمل المسيح. مع أن القديس لوقا لم يقطع التسلسل الحادث في عملية العماد نفسها بالنسبة لكيف بدأت بالشعب وانتهت بالمسيح، إذ يقول صراحة إنه بعدما اعتمد جميع الشعب، اعتمد يسوع أيضاً! بمعنى أن المعمدان هو الذي أجرى العماد للمسيح. وقول القديس لوقا إن يسوع اعتمد أيضاً، يُوضِّح أن ”يسوع“ لم يكن واحداً من الشعب؛ بل المساوي للشعب كله، وبالحري الذي احتوى عماد الشعب كله حتى لا يسقط أحد دون عماد، ليُكمِّل أيضاً عمل الروح القدس لكل مَنْ آمن واعتمد.

لو 21:3 «وَلَمَّا اعْتَمَدَ جَمِيعُ الشَّعْبِ اعْتَمَدَ يَسُوعُ أَيْضاً، وَإِذْ كَانَ يُصَلِّي انْفَتَحَتِ السَّمَاءُ».

يرفع القديس لوقا الرؤيا هنا رفعاً شديداً مباشراً من منظر معمودية الشعب على مستوى العمل البشري الأرضي إلى منظر المسيح على مستوى العمل الإلهي السمائي، بخفة واختصار وإبداع تمثيلي وكأنه يُرَى بالعين. وهنا ينكشف سرُّ قصد القديس لوقا: لماذا ألحَّ في الفصل بين عمل المعمدان وعمل المسيح بسرعة وقطع لا يحتمل التداخُل؟ لأن الأخطاء التعليمية والتاريخية التي اختلطت في أذهان الشعب عن قيمة المعمدان، كانت قد زادت عن حدِّها، وبدأت تُخلخل البداية الباهرة التي ابتدأ المسيح بها تعليمه. فهنا ينقلنا القديس لوقا بلا مقدِّمات من معمودية الأرض إلى معمودية السماء. فالمسيح لم يعتمد على يدي المعمدان إلاَّ لينقل معمودية الشعب من تحت يد المعمدان إلى ”المعمودية من فوق“ في شخصه: «ينبغي أن تولدوا من فوق» (يو 7:3).

وإلى هنا يكون قد بلغ المعمدان قمة عمله ونهاية رسالته، والتي عندها ينبغي أن يتوقَّف مباشرة بلا أي مزيد. وهذا يُعبِّر عنه القديس لوقا بالسجن كحدٍّ قاطع نهائي تَوَقَّفَ وراءه كل عمل المعمدان، إعداداً للشهادة بالدم.

«وإذ كان يُصلِّي انفتحت السماء»:

«انفتحت السماء»: ¢neJcq?nai

ولو أن القديس مرقس يقول إنها انشقَّت scizom?noj معبِّراً تعبيراً أكثر التصاقاً بالتقليد القديم: «ليتك تشق السموات وتن‍زل» (إش 1:64). والفارق ليس بسيطاً، فالسماء إذا انشقَّت فهي من رؤيا بشرية، ولكن إن انفتحت السماء فهي من رؤيا إلهية. فالسماء تنشقُّ في نظر الرائي على الأرض، ولكنها تنفتح للواقف يُصلِّي ليتقبَّل ما له من السماء خاصة!!

ويُلاحِظ القارئ أنه لا يقول هنا: ”صلَّى“ وكأنه يطلب شيئاً، ولكن ”كان يُصلِّي“ باستعداد ما قد تقرَّر أن يتمَّ بعد تقبُّله العماد بالماء مُكمِّلاً كل برٍّ، حسب قول المسيح للمعمدان: «اسمح الآن، لأنه هكذا يليق بنا أن نُكمِّل كل برٍّ» (مت 15:3). أمَّا بعد تكميل البر الذي بحسب البشر فقد آن الوقت لاستعلان كمال البر الذي له من السماء: «أنت ابني الحبيب بك سُرِرتُ» (لو 22:3)، بن‍زول الروح القدس على المسيح كإعلان سماوي لاستعلان المسيَّا وشهادة وملء المثيل للمثيل. علماً بأنَّ المسيح وُلد ممتلئاً من الروح القدس، ولم يكن هناك زمن قط دون الملء الكُلِّي للروح القدس. فانفتاح السماء وحلول الروح القدس، كان لاستعلان المولود من الروح القدس والعذراء مريم أنه هو المسيَّا وقد بدأ عمله.

22:3 «وَنَزَلَ عَلَيْهِ الرُّوحُ الْقُدُسُ بِهَيْئَةٍ جِسْمِيَّةٍ مِثْلِ حَمَامَةٍ. وَكَانَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ قَائِلاً: أَنْتَ ابْنِي الْحَبِيبُ، بِكَ سُرِرْتُ!».

«بهيئة جسمية»: swmatikù e‡dei

ليس هذا هو الروح القدس، ولكن هذه الهيئة الجسمية حقَّقت للرائين كيف نزل الروح القدس كفعل حقيقي منظور للتأكيد والشهادة. فالمظهر الخارجي بالنسبة للإلهيات يخص العين البشرية الكليلة التي لا ترى إلاَّ الأجسام والهيئات، أمَّا جوهر الإلهيات فلا يُرَى بالحواس البشرية قط! ولكن قد تكون الهيئة الظاهرة الجسمية المنظورة ذات علاقة بالفعل الذي يأتيه، كعلامة ألسنة النار التي حلَّت على رؤوس التلاميذ يوم الخمسين تعميقاً لمعنى فعل الروح القدس في النطق الإلهي وفي التطهير الناري. أمَّا الحمامة هنا - كهيئة جسمية - فواضح أنها تعميق لاستعلان وداعة المسيح وحلمه كمسيَّا المخلِّص الفادي، ولكن من رؤية بعيدة تُمثِّل الحمامة روح الله الذي كان يرفُّ على وجه المياه في بدء الخلقة، حيث يبدو التماثُل شديد العمق؛ لأن بالروح الذي رفَّ على وجه الماء في البدء المخلوق أرضياً، يأتي المثيل هنا بالروح الذي رفَّ على هامة المسيح للخلق السماوي، لأن المعروف والمُحقَّق لاهوتياً ”أننا مخلوقون في المسيح يسوع“ (أف 10:2)، فالبشرية خُلقت ثانية خلقة روحية سماوية من جسد المسيح القائم من بين الأموات!

كما ينقلنا منظر الحمامة، بهيئتها الجسمية وهي نازلة على المسيح، إلى منظر الحمامة التي أطلقها نوح من الفُلْك لتأتي ببُشْرَى انحصار فيضان غضب الله للهلاك الذي دمَّر الخليقة، وفي فمها غصن زيتون. أفليس هنا أيضاً بشارة من نفس الحمامة أنه قد انْقَضَت أزمنة الغضب الإلهي، وكفَّ هلاك الخطية الذي دمَّر وجه الأرض، وجاء غصن البر يُنادي بالحياة الأبدية للإنسان الذي أشقاه غضب الله؟

+ «ويخرج قضيب من جذع يسَّى وينبت غصن من أصوله، ويحلُّ عليه روح الرب، روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة، روح المعرفة ومخافة الرب» (إش 11: 2،1).

فإن كان المعمدان، بالماء والإنذار والتوبيخ بالدينونة العتيدة، كان يُمثِّل طوفان نوح؛ فقد جاءت الحمامة لتحكي عن عالم جديد ملؤه سلام الله وله حياة لا تموت. ويكاد بطرس الرسول يختم على هذه الرؤية:

+ «مُماتاً في الجسدِ ولكن مُحييً في الروحِ، الذي فيه (أي في الروح) أيضاً ذهب فكرز للأرواح التي في السجن، إذ عصت قديماً، حين كانت أناة الله تنتظر مرَّةً في أيام نوح، إذ كـان الفُلْكُ يُبنَى، الذي فيه خَلَصَ (أناس) قليلونَ، أي ثماني أنفسٍ بالماءِ. الذي مِثَالُهُ يُخلِّصُنَا نحن الآن، أي المعموديةُ، لا إزالةُ وسخِ الجسدِ، بل سؤالُ ضميرٍ صالحٍ عن الله، بقيامة يسوع المسيح، الذي هو في يمينِ الله، إذ قد مضى إلى السماءِ، وملائكة وسلاطين وقوَّاتٌ مُخْضَعَةٌ له» (1بط 3: 18-22).

ولكن بأقصى تعبير صادق وحقيقي، شرح المسيح نفسه هذا الذي حدث على مياه الأُردن ونزول الروح القدس لبدء عمل المسيَّا وافتتاح زمان الخلاص وتكميل كل العهد والوعد السابق، حينما ذهب في أول ظهوره للناس بعد العماد ودخل مجمع الناصرة، ولم يكن صدفة ولا هو حدثٌ هيِّن أن يُستَدعَى المسيح ليقرأ فيجد صفحة من سفر إشعياء النبي تحكي بصوتٍ مُدوٍّ يهز السماء والقلوب الواعية الصاحية: «روح السيِّد الرب عليَّ، لأن الرب مسحني ... لأُنادي بسنة مقبولة للرب» (إش 61: 2،1)، كما سيرويه القديس لوقا في الأصحاح الرابع (16-20).

ولكن لا يفوتنا هنا أيضاً كيف تمَّ حرفياً ما قاله المعمدان: «أنا أُعمِّدكم بماء، ولكن يأتي مَنْ هو أقوى مني... هو سيُعمِّدكم بالروح القدس ونار» (لو 16:3). هنا النقلة منظورة ومُشاهَدَة بالروح وملموسة جسمياً بعجب يفوق العقل؛ فإذ والماء تحت رِجْلَي المسيح يحلُّ الروح القدس، لينتقل العماد من الماء إلى العماد المزمع أن يكون بالروح القدس جهاراً بآن واحد.

«أنت ابني الحبيب بك سُررتُ»:

وهكذا يتم معنى انفتاح السماء للمسيح وهو يُصلِّي، إذ يأتي المضمون قوياً واضحاً، أنَّ انفتاح السماء بالنسبة للمسيح هو أعظم حدث تمَّ على الأرض بعد الميلاد المقدَّس والمبارك المحسوب حضوراً ذاتياً متجسِّداً للابن؛ إذ يعني هنا أيضاً حضور الله الآب حضوراً ذاتياً مسموعاً لاستعلان بدءٍ جديدٍ لعلاقات تربط الله بالإنسان في شخص يسوع المسيح الابن المتجسِّد. هذا هو معنى انفتاح السماء للمسيح الابن وهو يُصلِّي!! أمَّا هذا الصوت الذي جاء من المجد الأسنى مسموعاً عند ذوي الآذان المفتوحة والشاهدة، فهو أعظم كَشْف لاهوتي لحقيقة التجسُّد واستعلان ماهية الله كآب وابن لأول مرَّة، ليقبلها الإنسان كصميم قضية الإيمان بالخلاص المزمع أن يتم في بذل الآب للابن، أي التدخُّل الذاتي لله لرفع معاناة الإنسان من ربقة عبودية الخطية والشيطان والموت، باقتدار إلهي يُنهي نهائياً على أزمنة شقاء الإنسان ويفتح لها مجالاً سماوياً لخلق روحي فائق يعزله عن الأرض عَزْلاً أبدياً، ويضمه إلى خَاصَّة الله ضمّاً يكاد يكون شخصياً وأبدياً لحياة هي حياة الله.

فبقول الآب من ملء العلاقة الذاتية الأبوية للمسيح: «أنت ابني»، يكون قد بلغ التجسُّد أجلى صورة لحضور الله ظاهراً في الجسد، لا كمجرَّد شهادة يُسلِّمها الله للعالم من جهة المسيح، بل كحقيقة لاهوتية هي بحدِّ ذاتها تعني أن الله الآب ارتبط بالإنسان في المسيح ارتباطاً أبوياً لن يُنْزع من الإنسان إلى الأبد، طالما بَقِيَ المسيح ابناً لله وهو باقٍ بقاء الله. وهكذا في هذه الشهادة الأبوية الرفيعة المستوى يكون الله قد وثَّق للإنسان وجوداً بنوياً في المسيح لله أبدياً لن تُزعزعه قوة ما في السماء أو على الأرض.

وكما سبق ولاحظنا أن الآية في إنجيل القديس مرقس تقول: «السموات قد انشقَّت ... وكان صوت من السموات: أنت ابني الحبيب الذي به سُرِرْتُ» (مر 1: 11،10)، وأدركنا أن الانشقاق هنا وسماع الصوت كان يخصُّ الناظرين والسامعين من حول المسيح، وذلك يتأكَّد بقول الآب للمسيح في صيغة الشخص الثالث الغائب: «الذي به سررت»؛ وهكذا جاءت في إنجيل القديس متى أيضاً. أمَّا القديس لوقا هنا فيتميَّز جداً بجعل الخطاب مباشراً من الآب للابن حيث الصوت لا يخص الناس بل المسيح نفسه. فالسماء فُتِحَت له هو وحده والآب يتكلَّم له هو وحده بصيغة الشخص المخاطب: «أنت ابني ... بك سُرِرْتُ»، لذلك قلنا إنَّ هذا فَتْحٌ جديد في المفهوم اللاهوتي، فنحن أمام استعلان أعماق الله وذات الله، لا للمعرفة ولكن لقبول حقٍّ جديد للإنسان.

وليحترس القارئ من أن يأخذ بآراء العلماء النُقَّاد الذين يحاولون الإضعاف من هذه الحقيقة اللاهوتية، إذ يعتبرون أن الذي وُهِبَ للمسيح من الآب هنا هو كرامة البنوَّة. وهذا شطط فاضح ومحاولة خسيسة لرفع البنوَّة الذاتية من المسيح لله لتكون مجرَّد هبة أو عطية. هذا طغيان لا نجهل مصدره الشيطاني للإطاحة بلاهوت المسيح كابن ذاتي لله، لأن صوت الله الآب من السماء، ليس هو مجرَّد إعلان، ولا يتضمَّن الكلام نوعاً من العطية أو التكريم، بل هو من صميم كَشْف علاقة أزلية تربط الآب بالابن ربطاً هو بعينه الأنا العُظمى لله الواحد. فالابن المُخاطَب هنا هو والآب واحد. فـ”أنا الابن“ هو الله، و”أنا الآب“ هو الله، و”™gè (أنا) الله“ هو الأنا المطلق، وهو الآب والابن معاً.

والقديس لوقا هنا لا يختطُّ خطّاً لاهوتياً جديداً؛ بل يلتزم التزاماً حرفياً وروحياً بديعاً بقول الملاك للعذراء القديسة: «الروح القدس يحلُّ عليكِ، وقوة العلي تُظلِّلُكِ، فلذلك أيضاً القدوس المولود منكِ يُدعى ابن الله» (لو 35:1).

والمسيح لم يترك هذه اللمسة اللاهوتية وهو في بكور صبوته ليُعلنها صارخة في وجه مَنْ رأوه كمَنْ يستمد كيانه البشري من أب بشري، إذ ردَّ على أُمِّه القلقة التي أوحت إليه بقلق يوسف عليه، فكان ردُّه فيه المؤاخذة والاستهجان معاً مع تصحيح في صميم هويته: «ينبغي أن أكون في ما لأبي» (لو 49:2). غير أن التعريف بالابن الخاص لله بالنسبة للآب لا يقف عند عتبة ما هو لله فقط، بل هو اللقب المسيَّاني الذي بمقتضاه يتملَّك المسيح مُلْكه الأبدي فيما يخص الإنسان. إذن، فمناداة الله الآب من السماء بحقيقة الابن الحبيب قائماً متجسِّداً، هو إعلان لبدء دخول المسيح في القيام بتأسيس ملكوت الله على الأرض وفي السماء. فلحظة قول الآب للمسيح المتجسِّد: «أنت ابني»، تعيَّن في الحال مَلِكاً أبدياً على كل مُلْك الله، لا ليحكم ويسود بل ليضع لله أبيه مُلك المحبة ليملك الله بحسب طبيعته على خليقة خلقها بالابن لتكون على مستوى مسرَّة الآب. فالله لا يملك إلاَّ بالحب، والحب عند الله عطاء ذات: «هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه» (يو 16:3).

ولكن من المحزن أن نسمع بعض العلماء اللاهوتيين الكبار يشكُّون في أن المسيح كان يَشْعر أو يُدرك أنه ابن الله، ويردُّ عليهم العالِم مارشال(2) بأنَّ يسوع دُعِيَ ”المسيَّا“ بسبب كونه أصلاً ”ابن الله“ وليس العكس. وقول المسيح الذي قاله مرَّة وهو يقطع بأنه حقّاً ابن الله، يردُّ على هؤلاء العلماء بمنتهى الوضوح والإصرار: «فالذي قدَّسه الآب وأرسله إلى العالم أتقولون له: إنك تجدِّف، لأني قلت إني ابن الله؟» (يو 36:10)

ويعود العالم شفايزر(3) فيقول إنه إذا كان المسيح قد شرح شرحاً وعمل عملاً طوال حياته مؤكِّداً أنه عمل ابن الله؛ فكيف يُمتنع أن تكون ألقابه، كابن الله، متأصِّلةً منذ سني حياته الأُولى، خاصة هذا اللقب المسيَّاني المحدَّد؟

«الحبيب»: ¢gapht?j

الصفة هنا شديدة الصلة بالابن أكثر منها صفة مستقلة منفصلة، فهي تخصصية إلى أقصى حدٍّ للابن حتى أنها قد تأتي عِوَضاً عن اسم الابن، فالحبيب أو المحبوب هو الابن وليس آخر(4). والابن هو المحبوب، لذلك إذا أُضيفت إلى الابن أفادت ”الوحيد“(5). (قارن لوقا 13:20 مع مرقس 6:12). وعلى العموم فـإنَّ عبارة «ابني الحبيب ? uƒ?j mou ? ¢gapht?j» تَسْتَبعد نهائياً مفهوم الاختيار أو التعيين، بل تُعطي معنى العلاقة شديدة الصلة بين المسيح كابن بالنسبة لله كآب(6) كصفة جوهرية.

«بك سُرِرْتُ»: e?d?khsa

وتعني أكثر من مسرَّة، إذ تفيد: ”آخِذ مسرتي“ take delight. وقد جاءت أقوى ما جاءت مُعبِّرة عن هذا المعنى الاتصالي أو الينبوعي العجيب في إشعياء: «هوذا عبدي الذي أَعضُدُه، مختاري الذي سُرَّت به نفسي. وضعتُ روحي عليه» (إش 1:42). وبشيء من التعمُّق في فهم الوضع هنا بين حلول الروح عليه وبين قوله: ”سُرَّت به نفسي“، يتبيَّن الوضع التبادُلي السرِّي العجيب بين حركة الروح وحركة الحب. الروح يحلُّ والحب ينبع، وهو تبادُل جوهري مُذهل بين الآب والابن، روح بحبٍّ وحبٌّ بروح. فالابن بمثابة حب الآب والآب بمثابة روح الابن؛ وكأنه بقدر ما يمتلئ الآب بحب الابن، هكذا يمتلئ الابن بروح الآب. وهكذا يبدو لنا جوهر الله روح وحب في عطاء متبادَل لا ينقطع، يطرح على العالم حياةً وحُبّاً في صميم بذل الآب للابن من واقع حب الله والحياة الأبدية التي يُريدها واقعاً فعَّالاً في العالم!

(1) من كتاب: ”الإنجيل بحسب القديس لوقا - دراسة وتفسير وشرح“، الطبعة الأولى: 1998، ص 171-176.
(2) I. H. Marshall, The Gospel of Luke, p. 155.
(3) E. Schweizer, TDNT VIII, 366.
(4) «التي أنعم بها علينا في المحبوب» (أف 1: 6)، راجع مقالة: ”المحبوب“ - مجلة مرقس - عدد فبراير سنة 1994 - وقد أُعيد طبعها كمقالة منفصلة.
(5) I. H. Marshall, The Gospel of Luke, p. 156.
(6) W. Manson, The Gospel of Luke, London, 1930, p. 31 f.

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis