من تاريخ كنيستنا
- 74 -


الكنيسة القبطية في القرن الثاني عشر
البابا غبريال بن تُريك

البطريرك السبعون
في عداد بطاركة الكرسي الإسكندري
(1131 - 1145م)
 

خلو الكرسي البطريركي
أكثر من سنتين:

بعد نياحة الأب البطريرك مقارة الثاني، شغر الكرسي البطريركي أكثر قليلاً من سنتين من 19 ديسمبر 1128م (23 كيهك 845 ش) إلى 3 فبراير 1131م (9 أمشير 847 ش). ولا شكَّ أن اضطراب الأحوال السياسية في مصر وعدم وجود وزير (أي والي) حتى عام 1130م(1) كان هو السبب في تعطُّل الأقباط عن اختيار بطريركهم.

فلما هدأت الحالة السياسية نوعاً ما، اجتمع الشيخ أبو البركات صاحب ديوان التحقيق مع أراخنة الإسكندرية، لأن الدور كان عليهم في اختيار الأب البطريرك، وتوجَّهوا جميعاً إلى دير أنبا مقار كالمعتاد لسؤال الآباء عمَّن يصلح للكرسي البطريركي. فأخذهم رهبان الدير إلى الأبَّا يوسف السرياني القديس في دير السريان ليُشاوروه ويأخذوا بركته.

وكما يقول كتاب ”تاريخ البطاركة“: ”وكانت نعمة الله حالَّة عليه، والروح القدس ساكناً فيه“. فلما تحدثوا معه في الأمر الذي ذهبوا من أجله، قال لهم أبَّا يوسف: ”ارجعوا إلى منازلكم فقد تعبتم في مجيئكم إلى ههنا، فإن بطريرككم في مصر“. وأشار إليه وأسماه لهم وقـال لهم: ”هـو غبريال بـن تُريك“. فرجعوا وفعلوا كما قال لهم.

وهذا يُبيِّن بداية ضعف الحياة الرهبانية ونقص الشخصيات الكفؤ لملء هذا المنصب الهام.

مَن هو غبريال بن تُريك؟

هذا الأب الجليل غبريال بن تُريك كان من أهل القاهرة، من نسل شريف من أعيان فئة ”الكُتَّاب“ لدى الوالي، وكان هو الذي يُحرِّر للوالي المكاتبات الرسمية. كما كان يعمل أحياناً في بيت المال (وزارة المالية). وكان اسمه وهو علماني: ”أبو العلا“، وكان شمَّاساً في كنيسة القديس مرقوريوس (أبو سيفين) بالقاهرة (مصر القديمة). وكان رجلاً كهلاً عمره يقرب من الخمسين، صالحاً، عالماً، خبيراً، ذا سيرة جميلة، يُقدِّم الصدقات الكثيرة والبرَّ، مفتقداً للأرامل والأيتام والذين في السجون والضيق (أي السجون الضيقة). وكان إلى جانب ذلك مُحبّاً للصلوات والقدَّاسات وخدمة الكنائس.

أما من جهة العلم، فكان مجتهداً في قراءة الكتب المقدسة وتفسير معانيها والبحث فيها، وهو ناسخ جيِّد للكتب القبطية والعربية حيث نسخ لنفسه كتباً كثيرة، واشترى مجلَّدات كثيرة من أسفار العهدين القديم والجديد لتقديمها للقراءة في الكنيسة. وذكر مَن كان يُعاشره منذ صباه ويُخالطه، أنه كان في صغره يقتطع ركناً مـن دار والـده ويعمله كمثل كنيسة يقرأ فيها كأنـه يُقدِّس القداس، ثم يُبارك على أهل بيت والده! ولما كبر، قُسِمَ شمَّاساً.

قسمته بطريركاً:

ويذكر ”مرقس بن زرعة“(2) مُسجِّل سيرة هذا الأب البطريرك، أنه لم يكن لأحد من الأساقفة علم بقسمته ولا الرهبان ولا تشاوروا في أمره بسبب اضطراب الأحوال السياسية في القاهرة والتأخُّر سنتين في اختياره. فلما أُعلم الآباء الأساقفة، حضروا إلى القاهرة، وتقابلوا مع الأراخنة في كنيسة المُعلَّقة، وكان ذلك يوم الثلاثاء 9 أمشير سنة 847 ش. فدهنه الأساقفة ومضوا به في موكب إلى الإسكندرية حيث رسموه هناك بطريركاً. وكان ذلك في أيام الوالي ”أحمد“ بن الأفضل (حفيد أمير الجيوش بدر الدين الجمالي). وكان هذا الوالي يُسمَّى ”شاهنشاه“.

ولما عاد الأب البطريرك من الإسكندرية، توجَّه على ما جرت به العادة إلى دير القديس أنبا مقار ليُكرِّزوه هناك.

مشكلة إضافة جملة في الاعتراف الأخير

في القدَّاس:

وحينما كان الأب البطريرك يتلو الاعتراف الأخير من القدَّاس قبل التناول، قال: ”أومن وأعترف إلى النفس الأخير أن هذا هو جسد ربنا ومخلِّصنا يسوع المسيح الذي أخذه من والدة الإله مرتمريم العذراء، وصار واحداً مع لاهوته“. فأنكر بعض الرهبان بالدير قوله هذه الجملة الأخيرة: ”وصار واحداً مع لاهوته“، لكونها مُضافة على ما اعتادوا قوله. فاعتذر بأنه قالها في يوم تقدمته بطريركاً كما لقَّنه الأساقفة الذين قدَّموه، ولا يسوغ له تركها ولا النزول عنها لكونها لفظة صحيحة. واتفقوا على أن يُضيفوا عليها جملة: ”بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير“.

ومعروفٌ أن هذه التعبيرات كانت موجودة فعلاً في كتاب: ”اعتراف الآباء“ الذي يحوي أقوال آبـاء الكنيسة السابقين عـن طبيعة المسيح.

وهذه الحادثة تُبيِّن أن الأب البطريرك ورهبان دير القديس أنبا مقار كانوا من العلماء، وقد حرصوا كلاهما على أن تكون النصوص التي تُتلى صحيحة ومانعة لأي فهم لاهوتي خاطئ، وذلك حسب ما تعلَّموه من قوانين المجامع المسكونية وكتاب ”اعتراف الآباء“ الذي يحوي اعترافات الآباء الكبار القدماء عن عقيدة طبيعة المسيح.

وقد اتفق أكثر الناس على هذا القول إلاَّ بعض من أهل الصعيد فإنهم استمروا على عادتهم المعروفة، لكن الأب البطريرك بحكمته لم يُعارضهم في ذلك ولا أجبرهم عليه.

نياحة أسقف القاهرة وعدم رسامة بديل له:

في بداية حبرية البابا غبريال بن تُريك، توفي أنبا يؤانس أسقف القاهرة (الذي كان قد رسمه البطريرك السابق أنبا مقارة الثاني). فصلَّى عليه الأب البطريرك مع جماعة من الكهنة ودفنه في ”بركة الحبش“، لكنه لم يقسم أحداً بعده على القاهرة أثناء حبريته.

منعه دفن الموتى في الكنائس:

كما منع الأب البطريرك غبريال بن تُريك دفن الموتى في الكنائس. ولكن لما بلغه تعدِّي البعض على هذا الأمر وقيامهم بدفن القمص ”بسوس“ في كنيسة العذراء بحارة الروم؛ أَمَرَ بغلق الكنيسة، ثم أمر بفتحها بعد توسُّل الأراخنة. وقد نقل جسد الأب البطريرك السابق البابا مقارة الثاني من كنيسة المُعلَّقة بعد أن جدَّد عليه الصلاة ولفَّه في ثوب من حرير، وحمله إلى دير القديس أنبا مقار، وكان ذلك في السنة الثانية من قسمته بطريركاً، ودفنه مع أجساد البطاركة هناك.

تغيُّرات في الوزارة،

والقبض على الأب البطريرك:

حدثت اضطرابات في البلاد، فقد صار ”الإمام الحافظ“ في الخلافة. وكان الوزير اسمه ”أحمد“ حفيد بدر الدين الجمالي، لكنه قُتِلَ. واستعان الخليفة الجديد بوزير أرمني الجنس اسمه ”يانس“، لكنه قُتِلَ هو الآخر.

ولما مات الوزير ”يانس“ الأرمني، تولَّى الخليفة الجديد ”الحافظ“ أمور الوزارة بنفسه، ثم عَهَدَ بالوزارة إلى ابنه ”سليمان“، وبعد موت ”سليمان“ ولَّى الخليفة ابنه ”حيدره“، ولكن ابنه الآخر ”حسن“ حارب أباه الخليفة إلى أن قَبِلَ أن يُعيِّنه وليّاً للعهد.

وقبض الأمير ”حسن“ على الأب البطريرك أنبا غبريال وصادر أمواله وسجنه، إلى أن استطاع كُتَّاب الديوان من الأقباط أن يفتدوه بألف دينار ساهم التجَّار أيضاً فيها، وخلَّصه الله من بين يـدي الأمير.

ومرَّت الأيام وانقلب قوَّاد الجُند على الأمير ”حسن“ وأجمعوا على قتله، فسَقَوْه سُمّاً رغماً عنه، ثم أنفذوا في جسمه خنجراً في عدة مواضع من جسده إلى أن تيقَّنوا من موته.

وزير أرمني مسيحي:

وكان يوجد رجل أرمني يُسمَّى ”بهرام“ ويُنعَت ”تاج الدولة“، وكان قد وصل إلى مصر مع أمير الجيوش ”بدر الدين الجمالي“ أيام الخليفة ”المستنصر بالله“، واستمر في خدمة الدولة. وكان يعمل والياً في أقاليم مصر خارج القاهرة، وهو محتفظ بمسيحيته. وكان الجميع يُوقِّرونه بسبب حُسْن رأيه ومحبته، وأخيراً جعلوه والياً على الغربية. فتوجَّه إليه الجنود واستصرخوه وسألوه أن يكون وزيراً للخليفة. فمضى معهم إلى القاهرة، فجعلوه والياً بغير اختياره. وكان ذلك قبل مقتل الأمير ”حسن“.

ولما هرب الأمير ”حسن“ قبل قتله، أجلس الخليفة ”الحافظ“ هذا الأرمني ”بهرام“ والياً بدلاً من ابنه ”حسن“.

ولما استمر ”تاج الدولة بهرام“ في الوزارة (أي والياً)، كثر كلام المسلمين عليه بسبب استمراره على مسيحيته. وكان للمسيحيين نفاذ الرأي وعزة نفس في عهده، وكان منهم النُّظَّار في جميع أرض مصر، وصارت الدواوين التي للخليفة والولاة في أيديهم. ولكن لما أحسَّ المسلمون بنفوذ ”تاج الدولة“، قاموا بتحريض والي الغربية ”رضوان بن ولخشي“ ضد ”تاج الدولة“. فجرَّد ”ولخشي“ ثورة من العربان، وما أن عَلِم ”تاج الدولة“ بذلك حتى هرب إلى قوص، حيث كان أخوه والياً هناك. لكنه وجد أن خبر ”ولخشي“ سبقه إلى هناك، وأن أهل قوص قتلوا أخاه، فذهب ”تاج الدولة“ إلى الدير الأبيض (غرب سوهاج) وأقام هناك.

أما ”رضوان بن ولخشي“ فدخل القاهرة، وأوكل إليه الخليفة ولاية القاهرة. فنهب كنائس القاهرة والخندق، وأحرق دير الأرمن.

وكان ”رضوان بن ولخشي“ أول وزير يأمر بعدم استخدام المسيحيين في الدواوين الكبيرة، ولا يُعيَّنوا نظَّاراً أو مشرفين، وحكم بالجزية عليهم وألاَّ يركبوا الخيل، وأن يشدّوا أوساطهم بالزنار. كما حدث في أيامه غلاء شديد. وفي عهده لم يبلغ فيضان النيل إلاَّ أقـل مـن 14 ذراعاً، فغليت الأسعار لما شرقت الأرض، فأصاب الناس ضرر شديد بسبب جفاف الأراضي الزراعية.

ثورة الجنود على ”رضوان“، والخليفة يطلب

”تاج الدولة“ المسيحي للوزارة، فيرفض:

واستمر ”رضوان“ في الوزارة والياً، إلى أن ثار عليه الجنود وأُمراء الدولة، فأخرجوه من دار الوزارة، فمضى هارباً حتى أنـه لم يلحق أن يلبس نعليه، بـل لَبِسَ نعلاً واحداً ولم يمهلوه حتى يلبس الآخر! لكن الخليفة أحضره إلى قصره ليُخبِّأه عنده (بعد أن هرب إلى الشام مرتين).

ثم استدعى الخليفة ”بهرام“ الأرمني الذي كان يُدعى ”تاج الدولة“، استدعاه من الدير الأبيض عنده في داره، وطلب منه الخليفة أن يعود وزيراً مرة أخرى، لكنه رفض قائلاً: ”أنا راهب! ما أنا جندي“!

واستقرَّت إقامته في القصر إلى أن توفي مخدوماً مـن خـدم القصر. وأخذوا جثمانـه في تابوت إلى كنيسة ”الزهري“، وصلُّوا عليه هناك.

مقاومة البطريرك لشراء مواهب الكهنوت

بدراهم (السيمونية):

كانت هذه العادة السيئة شائعة حتى لدى غير الأقباط. لكن الأب البطريرك كان يُقاومها. وفي تاريخ هذا الأب البطريرك حادثتان تُبيِّنان ذلك:

+ فقد كان في أطفيح أسقف للأرمن يدفع الرشاوي ليصير بطريركاً (بخلاف القانون الكنسي)، إلى أن تمَّ له ما أراده.

وطلب هذا الأسقف أن يحضر أنبا غبريال بن تُريك إليه لكي يضع يده عليه (وهذه مُحرَّمة في القانون الكنسي: وضع اليد مرتين في الرتبة الواحدة، بالإضافة إلى الرشوة). فلم يحضر الأب البطريرك وقت قسمته مدَّعياً أنه أفطر ليلاً حتى لا يُلزموه بالحضور.

+ وكان أنبا غبريال قد منع أَخْذ أي رشاوي لرسامة الكهنة والأساقفة، ولا كان يوافق على ذلك لغيره من إكليروس الكنيسة القبطية، وكان مُتشدِّداً في ذلك، وكان يمنع مَن يأخذ ومَن يدفع السيمونية. وكان قد حضر إليه قس يُسمَّى ”بقيره“ وطلب منه أن يقسمه أسقفاً على بلاد أخميم وقدَّم له مالاً، فلم يفعل.

فلما رفض أنبا غبريال، مضى القس يدفع الرشاوي لرجال الدولة إلى أن استعان بابن الخليفة ”الإمام الحافظ“ وكان يُسمَّى ”ولي العهد“، وقدَّم له مالاً وفيراً، وسأله أن يشفع فيه عند البطريرك حتى يقسمه أسقفاً. فأرسل ولي العهد للأب البطريرك يسأله، وأثقل عليه في الكلام؛ فلم يقبل الأب البطريرك واعتذر له، وكتب خطاباً للخليفة أعلمه قصة القس طالب الأسقفية بالرشوة، وأوضح له أن ذلك لا يجوز في المسيحية.

فلما عُرض خطاب الأب البطريرك على الخليفة ”الحافظ“، شكر الأب البطريرك وعظَّم قدره، ووقَّع مرسوماً بأن لا يعترض أحد على تدبير الأب البطريرك فيما لا يجوز في شريعة المسيحية.

إلاَّ أنه، من جهةٍ أخرى، خَشِيَ الأب البطريرك أن يؤدِّي منعه (أي منع هذا القس) بالخروج من الإيمان المسيحي، فقسمه أسقفاً على مدينة أخرى غير التي طلبها، وقصد بذلك ربح نفسه.

+ وربما تصرَّف الأب البطريرك هكذا بعد حادثة أخرى، إذ كان أحد أبناء الكُتَّاب المميَّزين، وهو مُقدَّمٌ في الشعب، واسمه ”أبو اليُمن بن العميد“ كان قد ترك خدمته في الدواوين، ولَزِمَ خدمة كنيسة القديس مار جرجس بدير الطين، فنقل أدعياء السوء للبطريرك أنبا غبريال كلاماً مُسجِّساً قصدوا به إفساد سمعته عند البطريرك، ولكي يُخرجوه من خدمته في هذه الكنيسة.

فلما أعلموا الأب البطريرك بذلك، لم يتمهَّل للنظر والتحقُّق مما قالوه، وحَكَمَ عليه. فصعب على ”أبي اليُمن“ ذلك وخرج عن إيمانه. فعظم الأمر على الأب البطريرك وندم على تسرُّعه غاية الندم، ولم يرجع بعد ذلك يتشدَّد على أحد خوفاً من أن يفعل ما فعله ”أبو اليُمن“.

+ إن تلك الحادثة تُبيِّن مدى ما وصلت إليه حالة الأقباط الروحية في ذلك العصر. وقد حذَّرت القوانين الكنسية من التسرُّع في الحُكْم على أحد قبل اتخاذ الإجراءات اللازمة للتحقيق والتحقُّق من الادِّعاءات؛ بل إن أحد القوانين حَكَمَ بأنَّ ”مَن يُصدِر على أحدٍ حُكْماً ظالماً وبدون الإجراءات الواجبة، ما يؤدِّي إلى حزن قلبه وصِغَر نفسه، وخروج المحكوم عليه ظلماً من الإيمان أو العقيدة، أو أن يتصرَّف تصرُّفاً غير لائق احتجاجاً على ظلمه؛ فإن هذا الأسقف المتسبِّب في ذلك يتحمَّل المسئولية والسبب في هلاك هذا الإنسان“(3).

بعض التعديلات الطقسية التي أجراها

الأب البطريرك غبريال بن تُريك:

+ فقد وجد الأب البطريرك أن القراءات التي تُتلى من الأسفار المقدسة في أسبوع الآلام كثيرة جداً مما يُسبِّب مشقة عظيمة للشعب، سواء للقارئ أو السامع؛ ولذلك فقد استعان برهبان دير القديس أنبا مقار في اختيار الفصول الملائمة من العهدين القديم والجديد للقراءة في هذا الأسبوع المقدس، وهو الذي يُقرأ الآن من كتاب: ”البصخة المقدسة“.

+ كانت العادة أن يتم تكريس الميرون سنوياً يوم الجمعة العظيمة (ثم تغيَّر إلى يوم خميس العهد). لكن الأب البطريرك غبريال الثاني ”بن تُريك“ اختطَّ نظاماً بأن يُعمل الميرون بكميات كبيرة منعاً من الالتزام بعمله سنوياً، ولكن احتُفِظَ بيوم خميس العهد كيوم رسمي لصنعه.

+ كما اختطَّ الأب البطريرك غبريال بن تُريك قانوناً: فإنه لما وجد الغالبية من الشعب لم تَعُد تفهم اللغة القبطية، أصدر أمره بقراءة الأناجيل والميامر (العظات) وغيرها باللغة العربية بعد قراءتها باللغة القبطية، حتى يتسنَّى لجمهور المُصلِّين فَهْم ما يسمعونه. ولكن كانت هذه الخطة هي السبيل الأول للقضاء على اللغة القبطية رويداً رويداً بين الأقباط.

+ كما أصدر الأب البطريرك غبريال مجموعتين من القوانين:

المجموعة الأولى، تُنظِّم خدمة ومسلك الإكليروس أساقفة وقسوساً؛ وتختص المجموعة الثانية بالطقوس والواجبات الكنسية، كما شملت قوانينَ للميراث.

وقد بنى هذه القوانين على ما سبق أن وضعه الآباء الرسل والآباء البطاركة السابقين، بعد ملاءمتها مع تقدُّم الأجيال والسنين، ما يسهل تنفيذها.

نياحة الأب البطريرك غبريال بن تُريك:

ويذكر كتاب ”تاريخ البطاركة“ أنَّ البابا غبريال مرض في أواخر أيامه مرضاً شديداً، أشرف فيه على الموت. فرأى في حُلم كأن جماعة من الكهنة والرهبان ومعهم أناجيل وصلبان ومجامر ويقولون له: ”جئنا نفتقدك اليوم. وأنت ستبرأ من مرضك هذا. ولكننا سنعود إليك في العام القادم في مثل هذا اليوم ونأخذك معنا“. وفعلاً عوفي من مرضه.

وبعد سنة، مرض وتنيَّح في نفس التاريخ الذي حُدِّد له في منامه. وكـان ذلك في العاشر من شهر برمودة سنة 862 للشهداء / سنة 1145 للميلاد.

بركة صلواته وصلوات جميع الآباء القديسين تكون معنا آمين.


(1) مجلة مرقس، عدد ديسمبر 2009، ”من تاريخ كنيستنا – البابا مقارة الثاني (2)“، ص 43-47.
(2) وهو نفسه الذي صار البطريرك الثالث والسبعين.
(3) ”الدسقولية – تعاليم الرسل“، الفصل الرابع: 48.

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis